لم تطلق عبارة "إنّ الشعب المصري متدين بطبعه" من فراغ، فهي قائمةٌ على الكثير من الممارسات الروحانيّة والدينيّة التي يتمسّك بها المصريّون من مئات السنين.

والتديّن هنا يتعلّق بالتمسّك في إحياء موالد الشخصيّات الدينيّة التي يحبّها المصريّون، سواء كانوا مسلمين أم مسيحيّين.

"الموالد" لا تنقطع في مصر من شمالها لجنوبها، ومن شرقها إلى غربها، و يتواجد فيها مئات الآلاف بإختلاف الطبقات الإجتماعيّة والمستويات الإقتصادية.

فحب الشخصيّات الدينيّة التي يرتبط بها المصريّون أمر لا ينقطع ولا يتبدّد على مر الزمن، حيث يصل عدد الموالد سنويّاً، والتي تقام سواء للمسلمين أم المسيحيّين،  إلى حوالي ألف مولد.

هذه الموال، التي تشهد إحتفالات روحانيّة وجلساتٍ دينيّة يتودّودن فيها للشخصيّات الدينيّة المرتبطين بهم، توجد في فعاليّاتها غرائب وطرائف كثيرة، ولكن أبرزها أنّ هناك مسلمين يذهبون للإحتفال بموالد المسيحيّين، والعكس صحيح بذهاب مسيحيّين إلى الموالد الخاصة بالمسلمين.

ووسط الأعداد الهائلة من هذه الأحداث الدينيّة لشخصيّاتٍ من نسل الرسول محمد - عليه الصلاة والسلام- وأولياء الله الصالحين، أو موالد خاصة بالسيدة العذراء مريم وشخصّيات مسيحيّة دينيّة، توجد بعض الموالد التي تشهد سنويّاً حضور مليونيْ شخص، و يكون لها ثقل وحضور وإهتمام خاص، ومن بينها:

مولد السيدة زينب

هو واحد من أهمّ الموالد في مصر، و يجرى حاليّاً في منطقة السيدة زينب في قلب القاهرة، و يحضره ما يصل إلى 3 ملايين زائر.

وعلى الرغم من أنّه مولد للمسلمين، نظراً لإرتباطه بالسيدة زينب حفيدة الرسول محمد، وإبنة الإمام علي بن أبي طالب، و يستمرّ لأيّامٍ وسط إفتراش الخيام من المصريّين القادمين من المحافظات المختلفة، و يشهد جلسات دينيّة وحلقات من الذكر والإنشاد الديني، و تُوزّع فيه الأطعمة والحلوى.

مولد الحسين

يُقام في منطقة "الحسين" المحيطة بالمسجد، الذي يحمل إسم "الحسين بن علي" - رضي الله عنه - حفيد الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، وهو من أضخم الموالد.

و يعتبر الرئيسي في مصر حيث تكون له تجهيزات أمنيّة خاصة للغاية، لا سيّما أنّه لا يكون في محيط المسجد فقط، بل في شوارع القاهرة الفاطميّة الأثرية أيضاً، حيث يأتي مئات الآلاف في أيّام المولد.

أمّا الليلة الختاميّة، فيصل الزائرون فيها إلى 3 ملايين زائر، يدخلون في حلقات ذكر وجلسات دينيّة.

مولد العذراء بجبل الطير

هو واحد من أهم الموالد في مصر على الإطلاق، و يُقام في محافظة المنيا بدير جبل الطير في مدينة سمالوط، و يحضره ما يصل إلى 2 مليون مصري من الشمال والجنوب في مصر.

ولا يقتصر على المسيحيّين فقط، بل يحضر الكثير من المسلمين الذين يتباركون بالسيدة العذراء.

ولـ"الدير" أهميّة خاصة مرتبطة بهذا المولد الذي يدشّن بمناسبة ذكرى إختباء السيّدة العذراء والمسيح عيسى عليه السلام في هذا الدير، خلال الرحلة المقدّسة في مصر.

وهو يتكرّر سنويّاً في شهر مايو، و تكون له إستعدادات خاصة، لا سيّما على المستوى الأمني.

مولد العذراء في مسطرد

يُقام مولد العذراء في منطقة مسطرد بالقاهرة الكبرى في أغسطس من كل عام، تزامناً مع إنطلاق صوم العذراء، حول كنيسة العذراء الأثريّة الشهيرة هناك.

ملايين أيضاً يحضرون هذا المولد، و يتسبّب في ليلته الختاميّة بشلّ الحركة في القاهرة والمحافظات المجاورة.

و يرتبط المولد بديرٍ شهير إختبأت فيه السيدة العذراء خلال زيارتها إلى مصر، و يتواجد في الليلة الختاميّة الآلاف من المسلمين الذين يحضرون للتودّد وطلب الشفاعة من السيّدة العذراء.

و يشهد هذا المولد حضوراً دوليّاً من سيّاح أجانب يتواجدون و يمارسون طقوساً دينيّة في هذا المولد الشهير.

مولد السيد البدوي

هو واحد من أكبر الموالد التي تُقام خارج القاهرة، في مدينة طنطا، و يكون الإحتفال السنوي بمولد العارف بالله "أحمد بن علي إبراهيم البدوي"، الذي جاء من المغرب إلى القاهرة منذ 800 سنة، وكان رجلاً ذا علم وفير، وله مريدوه المستمرّون حتى الآن.

و تكون الليلة النهائيّة مكتظّةً بمئات الآلاف، وسط طقوسٍ دينية، وأخرى متعلّقة بالأطعمة مثل الفتة واللحم، والحلويات التي يوزّعها القادرون على الفقراء.