أبهر الرسّام الهولندي يوهانس فيرمير العالم بلوحته الزيتيّة الشهيرة "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي". 

و شبّه العديد جاذبيّة اللوحة وسحرها بلوحة الموناليزا، فأُطلق عليها إسم "موناليزا الشمال". 

فعلى غرار الموناليزا، الفتاة في اللوحة غير معروفة. و يبدو أنّ العالم ينجذب لسببٍ ما للوحات الفتيات المجهولات. 

السرّ وراء اللوحة هو حقيقة القرط الؤلؤي وهويّة الفتاة والسبب السيكولوجي وراء الإنجذاب لها.

فالعديد من الفنانين والكتّاب والناقدين الفنيّين وحتى الفيزيائيّين، ما زالوا يحاولون دراسة ألوان اللوحة وتاريخها وتعابير وجه الفتاة التي تسحر المشاهد.

السر التاريخي وراء اللوحة

رسم فيرمير  اللوحة في القرن السابع عشر في مدينة ديلفت الهولنديّة. 

وحينها، لم تكن المدينة تابعةً لأي حاكمٍ أو ملك، بل كانت تعارض الكنيسة حتى إنفصالها عنها. 

وبما أنّ المدينة لم تكن تحت سيطرة أي حاكم أو ملك، كانت طبقة التجّار هي الطبقة الأعلى في المنطقة.

وعادةً، في اللّوحات التي لا تعبّر عن شيء سوى وجوه الأشخاص (المعروفة بـPortraits)، يتمّ رسم الأشخاص الذين ينتمون إلى الطبقة الحاكمة أو الغنيّة أو رجال الدين. 

وبما أنّ المدينة كانت تتمتّع بحكمٍ ذاتي منفصل، فإنّ الفتاة على الأغلب كانت من التجّار لأنّهم يمثّلون الطبقة الغنية في المجتمع آنذاك. 

كما أنّ التجّار حينها كانوا يطلبون من الرسّامين أن يتّم رسمهم مع خلفيّات متواضعة ومقرّبة للجميع كي يُشعروا الناس أنّهم مثلهم.

لكنّ التجّار لم يملكوا ثروةً تسمح لهم بشراء قرطٍ لؤلؤي بهذا الحجم؛ فالقرط كبير جداً ومن المستحيل أن تتمكّن فتاةٌ عاديّة أو حتى فيرمير من شرائه.

فمن أين لها هذا القرط؟

عندما كانت الفتاة تجلس أمام فيرمير ليرسمها، لم تكن تضع أقراطاً لؤلؤيّة بهذا الحجم. 

فإمّا زاد فيرمير الأقراط أو أعطاها أقراطاً من معدنٍ أرخص لترتديها. 

والعمامة الشرقيّة على رأس الفتاة التي كانت ترتديها النساء من الطبقة المتوسّطة تظهر أنّها تنتمي إلى طبقة التجّار.

لكنّ الأقراط حقّاً ليست أقراطاً لؤلؤيّةً. 

فإذا اقتربنا جيّداً من اللوحة، نلاحظ أنّ القرط ما هو إلّا نقطة بيضاء أضافها فيرمير على اللوحة. 

وهذا يدلّ على ذكاء فيرمير الذي كان يستخدم الألوان لإبتكار خدعٍ بصريّة. 

فربّما أراد أن يُشعر الفتاة المجهولة بالثراء من خلال هذه الإضافة.

السر السيكولوجي

تمكّن فيرمير من رسم لوحةٍ جذّابة من خلال إضافة خلفيّةٍ ذات لونٍ موحّد جعلها تبدو ثلاثيّة الأبعاد. كما أنّ الألوان على وجه الفتاة تعطيها نوعاً من الوهج أو الضوء.

و ربط علماء النفس هذا السحر الذي يشعر به المشاهد عند رؤية الصورة  بعيون الفتاة وفمها. 

فعيون الفتاة المجهولة تبدو وكأنّها تنظر إلى الشخص، لكنّ ظهرها يظهر وكأنّها تريد الإبتعاد عنه أو ربّما هي تقوم بالإلتفات حوله. 

أمّا فمها، فيبدو وكأنّها تريد أن تنطق بشيءٍ أو تخبرك بسرٍّ ما.

مشاعر الفتاة غير معروفة. فيمكن أن تراها حزينة أو سعيدة أو قلقة، وهذا أيضاً عاملٌ يجذب المشاهد لأنّ البشر بطبيعتهم يحبّون الغموض.

وبسبب هذه الغرابة، إستوحى العديد من الكتّاب قصصهم من الفتاة الجميلة التي تريد اخبار قصةٍ ما، فنُشرت رواية بعنوان "الصورة" مستوحاة من الفتاة المجهولة، كما تمّ إنتاج فيلم يحمل العنوان والفكرة ذاتها.

فما هي قصتكم؟ وكيف شعرتم حيال الفتاة المجهولة؟